أعتقد أن الخطأ الأول هو فهم معنى كلمة «أغلبية» لدرجة أننى تيقنت أننى ينبغى أن أبحث عن وسيلة أخرى لتوصيل أفكارى المتواضعة للسياسيين سواء من الأقلية أو الأغلبية، لأنهم يبدو وكأنهم لا يقرأون لضيق الوقت، أو أن القراءة وحدها لا تكفى فلا بد من الإلحاح. وقد سبق أن ذكرت مرارا وتكرارا أن الأغلبية لا تعنى إلغاء الآخر وإنما تعنى مسئولية أكبر فى استيعابه وضربت أمثلة متعددة من دول شتى على أمل أن نرشد سلوكنا السياسى.
الخطأ الثانى، وهو منبثق عن الخطأ الأول، فى الخلط بين ما هو مقبول قانونا وما هو مقبول أخلاقا، وما هو مقبول سياسيا. فمن حقى أن أقود سياراتى، قانونا، بالسرعة المحددة، ولكن هناك اعتبارات على الطريق تجعلنى أختار أن أقف لمساعدة محتاج أو أن أراعى موازين القوى بينى وبين سيارة أصغر أو أكبر بجوارى، حتى يصل الإنسان إلى بر الأمان.
الخطأ الثالث، وقعت فيه الجمعية العمومية للأعضاء المنتخبين لمجلسى الشعب والشورى حين نحت جانبا منطق الدولة لصالح منطق الأيديولوجيا. هناك مؤسسات للدولة فى مصر أرسلت ترشيحاتها للجمعية التأسيسية، فاختار أغلب الأعضاء أشخاصا آخرين محسوبين على نفس المؤسسات ولكن من خارج الأسماء التى رشحتها هذه المؤسسات وكأننى أبحث عن أشخاص لهم خواص أيديولوجية معينة داخل كل مؤسسة.
الخطأ الرابع، هو الخلط بين منطق الأغلبية فى صناعة تشريع أو صياغة لائحة وبين منطق الأغلبية فى صياغة دستور؛ ففى الحالة الأولى، القضية جزئية مرتبطة بقانون واحد ربما تقتصر أهميته على قطاع معين من المجتمع، أما الحالة الثانية فهى صناعة خريطة طريق للمستقبل بعد ثورة تم فيها ضرب النظام القائم آنذاك فى مقتل لأنه استخف بمن كان يعتبرهم أقلية. لذا فما هو مقبول فى التشريعات ليس مقبولا فى الدساتير.
الخطأ الخامس، هو افتراض البعض من أن الأغلبية معها الحق مهما أخطأت وأن الأقلية على باطل مهما أصابت. وهو منطق استبدادى بامتياز. والعودة إلى الجلسة التى تم فيها التصويت لانتخاب المائة تكشف كثيرا من الخلل فى طريقة إدارتها بدءا من التعجل فى إنهاء كل الإجراءات فى يوم واحد، وكأنه من المنطقى أن نغلق باب الترشح يوم الأربعاء وننتخب المائة من بين 2000 اسم مرشح يوم السبت دون معايير محددة سلفا أو سير ذاتية أو احترام لرغبات القائمين على مؤسسات الدولة سواء من الأزهر أو الكنيسة أو الوزارات المختلفة.
الخطأ السادس، هو غياب قرون الاستشعار السياسية لدى الأغلبية على نحو يجعلها غير قادرة على أن تدرك المزالق قبل الوقوع فيها، وتتحسب لنتائج أفعالها قبل الإقدام عليها. الأغلبية حديثة عهد بأن تكون فى مقعد القيادة البرلمانية، وهذا مفهوم، ولكن قيادة الأمم وصناعة الدول تحتاج «مذاكرة» و«تتلمذ» على يد من نجحوا فيها بدءا من النبى صلى الله عليه وسلم وكيف أنشأ دولة المدينة بدستورها الراقى وكيف دخل فى تحالفات ومعاهدات كى يوحد أنصاره خلفه ويأمن شرور أعدائه، وهو ما لم يكن بعيدا عن عبقرية ماديسون وغاندى ونيلسون ماندلا ومهاتير محمد.
الخطأ السابع، سترتكبه الأغلبية إن لم تعد تشكيل الجمعية التأسيسية وتعلن التزامها بمرجعية وثيقة الأزهر التى وافقت عليها كل القوى السياسية والدينية فى مصر والتى تعتبر ملخصا ضافيا لجهود كثيرة بذلت فى تلك الفترة.
إذن والحال كذلك، ومع كل هذه الأخطاء، وبدون نجاح الجهد الصادق الذى يبذله كثيرون أتشرف بالعمل معهم لإصلاحها، فسيكون استمرارى الشخصى فى هذه الجمعية صعبا للغاية