دخلت مصر عصر التضخم الموجع منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين، ولعل هذا- إلى جانب الديون الخارجية- كان أثقل ما تركه الرئيس السادات من إرثٍ اقتصادي للرئيس المخلوع.
غير أنه لاح في الأفق بعد سنواتٍ قلائل قرص إسبرين خارجي اسمه: المعونة الأمريكية، إذ إنه مع إبرام معاهدة السلام المصرية مع الصهاينة عام 1979 تدفقت المعونة الأمريكية على مصر، وكانت على شكل برامج سنوية لإعادة تأهيل البنية الأساسية المدنية، بدأ التطبيق عام 1983 بتخصيص 200 مليون دولار للاستيراد السلعي.
وتميز البرنامج بميزة مغرية هي وجود سعر ترجيحي للدولار، فالدولار يساوي جنيهًا واحدًا، ورجل الأعمال الذي يستورد بضائع قيمتها مليون دولار يسدد مليون جنيه ويتم السداد على فترات تمتد من 3 إلى 7 سنوات، وهو ما ساعد رجال الأعمال على الاستفادة من فرق السعر.
كما منح البرنامج أولوية توريد السلع للشركات القائمة بتنفيذ البرامج الأخرى في مختلف التخصصات، وهكذا توفر لهؤلاء التحويل ذو الشروط الميسرة وتوزيع السلع بسهولة، وأيضًا شروط سداد سهلة؛ ما أدى إلى ظهور طبقة جديدة سماها البعض مليونيرات المعونة الأمريكية، من أمثال مصطفى البليدي وإلهامي الزيات وغيرهما.
أحمد بهجت
وتصدر هؤلاء قوائم الأغنياء في مصر، إلى جانب أسماء مثل د. أحمد بهجت، صاحب قناة "دريم" الفضائية ودريم بارك ودريم لاند وشركة جولدي للأجهزة الكهربائية
د. عبد المنعم سعودي
الذي بدأ بتجارة وتجميع السيارات اليابانية، وخصوصًا من ماركة "سوزوكي" ثم امتد نشاط عائلته إلى مجالات المنسوجات والإنشاءات وغيرها
وأيضا هذه الأسماء المتحكمه في عالم البيزنس في مصر
محمد نصير، ومحمد منصور، وإبراهيم كامل، وحسين سالم، وحمزة الخولي، ومحمد شتا، وآل غبور، ومحمد فريد خميس، وآل الهواري، ومحمد جنيدي، وحسن راتب، وحسام أبو الفتوح.
في غضون ذلك كان العالم يتغير لتتغير معه مصر؛ ففي السنوات الخمس الأولى من عهد مبارك استمرت مصر في الاقتراض من الخارج حتى بلغ إجمالي الديون الخارجية ٤٥ مليار دولار؛ أي بزيادة قدرها ٥٠% في خمس سنوات، وهو معدل- رغم خطورته- أقل بكثير من معدل زيادة الديون في عهد السادات.
وفي ١٩٩٠ كان مبلغ خدمة الديون المستحقة على مصر قد ارتفع إلى ٦ مليارات دولار؛ أي ما يمثل ٥٤% من قيمة جميع صادرات مصر من السلع والخدمات.
وفي ظل تطورات حرب الخليج نتيجة الغزو العراقي للكويت في أغسطس 1990 ومشاركة مصر في تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة لتحرير الكويت، حصلت مصر على إعفاءات كبيرة من ديونها؛ حيث أعفيت مصر أولاً من جانب الولايات المتحدة ودول الخليج من ديون قدرها ١٣.٧ مليار دولار، ثم دعيت مصر إلى عقد اتفاق في مايو ١٩٩١ مع الدول (نادي باريس)، أسفر عن إعفاء مصر من ٥٠% من ديون أخرى على مراحل.
ترتب على ذلك أن انخفضت ديون مصر الخارجية من ٤٧.٦ مليار دولار في يونيو ١٩٩٠ إلى ٣٤ مليارًا في فبراير ١٩٩١ ثم إلى ٢٤ مليار دولار في منتصف ١٩٩٤؛ أي نصف ما كانت عليه في منتصف ١٩٩٠.
ومع تعاظم الثروة لدى البعض في مصر، ظهر نوعٌ من التزاوج بين الثروة والسلطة، فأصبح من المألوف أن يصبح نجوم البيزنس نجوم سياسة أيضًا، مثل محمد أبو العينين وطلعت السادات ورامي لكح.
في 18 يناير كانون ثانٍ 1995 ألقى محمد حسنين هيكل محاضرته الشهيرة والأخيرة في معرض القاهرة الدولي للكتاب، بدت المحاضرة التي نُشِرَت لاحقًا في كتاب محاولةً مبكرةً لمناقشة أعراض أزمةٍ اتضحت ملامحها تدريجيًّا، ومن المؤكد أن من حضروا تلك المحاضرة- أو من قرءوا نصها لدى نشرها لاحقًا- صدمهم هيكل بعرض تقريرٍ وضعته مجموعة دولية عن المؤشرات الطبقية الجديدة في مصر (حتى عام 1995)؛ إذ قال:
"والصورة تشير إلى ما يلي:
- في مصر 50 فردًا ثروة كل واحد منهم ما بين 100 إلى 200 مليون دولار وأكثر.
- وفي مصر 100 فرد تتراوح ثروة كل منهم ما بين 80 إلى 100 مليون دولار.
- وفي مصر 150 فردًا تتراوح ثروة كل واحد منهم ما بين 50 إلى 80 مليون دولار.
- وفي مصر 220 فردًا تتراوح ثروة كل واحد منهم ما بين 30 إلى 50 مليون دولار.
- وفي مصر 350 فردًا تتراوح ثروة كل واحد منهم ما بين 15 إلى 30 مليون دولار.
- وفي مصر 2800 فرد تتراوح ثروة كل واحد منهم ما بين 10 إلى 15 مليون دولار.
- وفي مصر 70 ألف فرد تتراوح ثروة كل واحد منهم ما بين 5 إلى 10 ملايين دولار.
ويتابع هيكل في محاضرته قائلاً: "وإذا أخذنا الأرقام الخمسة الأولى من هذا الجدول فإننا في مصر أمام حوالي ألف فرد استطاعوا في العشرين السنة الأخيرة أن يصبحوا أصحاب ثروات هائلة لا تتناسب مع الحقائق الاقتصادية أو الحقائق العلمية السائدة في البلد، وقد جاءت هذه الثروات الهائلة في معظمها من عمليات تقسيم وبيع الأراضي والعقارات وما يتصل بها، ومن التوكيلات التجارية التي لا يعرف أحدٌ حسابها، ومن احتكار بعض السلع، كالإسمنت والحديد والسكر واللحوم، (بما فيها اللحوم الفاسدة)، ثم إن بعضها- وهو ليس قليلاً- جاء من عمولات تجارة السلاح، ولقد كنا نقبل- ونسعد ونبارك- لو أن هذه الثروات نتيجة لعملية الإنتاج بالمنطقة والرأسمالي السليم القائم على الاستثمار وقبول مخاطره والقائم على احترام القوانين والتزام ضوابطها، والقائم على دفع الضرائب والرضا بتكاليفها، لكن الواقع الحي أمامنا أنه- في معظم الأحيان وباستثناء لا تزيد نسبته على عشرة في المائة فقط- لم يكن الأمر هو الاستثمار ومخاطره وإنما الاستغلال ونفوذه، ولم يكن القانون وضوابطه وإنما الدوران حوله والاستهتار به، ولم تكن الضرائب العادلة في تكاليفها وإنما الضرائب على أضعف الطبقات قدرة على أدائها وأقلها فرصة في الهرب أو التهرب منها!" (محمد حسنين هيكل، باب مصر إلى القرن الواحد والعشرين، دار الشروق، القاهرة، 1996).
ثم يظل من المفارقات أن مصر- وهي واحدة من البلدان الموضوعة في قوائم الدول الفقيرة- تستورد أكبر نسبة من سيارات "مرسيدس" في العالم بالقياس إلى عدد سكانها، طبقًا للبيان السنوي (عام 1993) لشركة السيارات الألمانية ذاتها.
الإيقاع المتسارع لأصحاب الأعمال الجدد دفع العديد من البنوك- نتيجة الرغبة في الاستثمار أو الخضوع لضغوط أهل النفوذ أو بسبب شبهات فساد- إلى فتح خزائنها لمنح قروضٍ، كان بعضها دون ضماناتٍ كافية للسداد.
وطبقًا لما جاء في النشرة الاقتصادية لوزارة الاقتصاد عام 2000 فإن جملة ما منحته البنوك من قروض يصل إلى 207 مليارات دولار، منها نحو 20 مليارًا تعثر أصحابها في سدادها بنسبة 6% تقريبًا؛ ما جعل بنوك القطاع العام تزيد من المخصصات رغم مركزها المالي لمواجهة الديون المشكوك فيها إلى 27 مليار دولار طبقًا لتقرير البنك المركزي عن الفترة من يوليو إلى سبتمبر عام 1999م.
وفي دراسة للدكتورة سلوى العنتري، مدير البحوث بالبنك الأهلي المصري، تكشف أن القطاع الخاص يحصل على 52% من القروض بلا ضمانات من الجهاز المصرفي؛ استنادًا إلى سلامة المركز المالي، وتشير الدراسة إلى أن أكبر 20 عميلاً يحصلون على 10% من جملة التسهيلات والقروض الممنوحة من البنوك، وأن 250 رجل أعمال حصلوا على 36% من جملة التسهيلات والقروض للقطاع الخاص، وأن نسبة القروض المتعثرة تعدت نسبة 20% من إجمالي القروض.
وقد رصد د. حمدي عبد العظيم، العميد الأسبق لأكاديمية السادات، أن 36 مليار دولار خرجت من مصر أو هربت منها أثناء عام 1998 فقط، منها تحويلات بنكية وشهادات إيداع دولية وتحويل عمليات استيراد، منها 25 مليار دولار في صورة خفية.
وهكذا بدأ هروب رجال وسيدات أعمال بملايين الدولارات من أموال البنوك أو ضحايا شركات توظيف الأموال: هدى عبد المنعم، أشرف السعد، جورج إسحق حكيم، محمد الجارحي، رامي لكح، وآخرون، وكلهم كانوا مليونيرات، وإن يكن ذلك من المال العام.
وظهر في ربوع مصر رجال أعمال أنشئوا دولة نفوذ خاصة بهم داخل كل محافظة، تم توريثها إما سياسيًّا أو عائليًّا أو ماليًّا وحزبيًّا.
ففي الإسكندرية، يبرز اسم محمد فرج عامر رجل الأعمال وعضو مجلس الشورى بالتزكية ورئيس مجلس إدارة نادي سموحة الرياضي، ومن هؤلاء أيضًا عبد السميع الشامي في محافظة الغربية، والنائب بلال السيوي في محافظة مطروح، ورجل الأعمال وعضو مجلس الشورى محمد عبد المنعم الشهير بأحمد الكاجوجي في محافظة أسوان، وغيرهم ((طغاة المحافظات.. رؤساء بدون قرار جمهوري، جريدة "اليوم السابع"، 30 أكتوبر 2008(.
على أن أيًّا من أصحاب تلك الأسماء التي سبق ذكرها لم يكن ضمن قائمة أغنى الأثرياء في بر مصر، في مطلع الألفية الثالثة.
- اقتباس :
- ملحوظه
- اقتباس :
- كل هذه الأرقام للقراءة فقط
مسموح بها للأحلام فقط
القائمة أطول من ذلك بكثير
ولكن ماعرض هنا عرض فقط رحمة بالشعب من الصدمات والأرقام الفلكية